الاثنين، 22 أبريل 2013

في ثلاجة الموتى ..!



"دكتورات ، راح نطلعكم عالمشرحة بعد أسبوع إن شاءالله حتى تشوفون بعض الأشياء اللي انشرحت لكم وتشوفون الشغل عالطبيعة "

 كان هذا حديث الطبيب الشرعي قبل أسبوع من اليوم ..

وسط خوف أمي وابتسامة أبي الصفراء ..استيقظ صباحًا بحماسٍ لخوض تجربة جديدة وعلامات استفهام حول ردة الفعل التي سأظهرها والتي تنبأ والديّ بأنها لن تهز شخصية مثلي كثيرًا ..!

أصلُ لأجد عددًا من الإنسحابات والاعتذارات عن الحضور ..
مالذي يخيفهم هكذا ياترى ؟
أولم نختر الطبَ تخصصًا بمافيه من حياة وموت ؟
 لايهم .. اتخذت القرار بالمشاركة لأستطلع بنفسي ..

~

بعد طريقٍ طويل .. هنا المشرحة ..
تستقبلنا حروفٌ مخطوطة ..


( ثلاجة الموتى )

من الحروف هذه بدأت مشاعري تضطرب تحدثني زميلتي :
- ثلاجة الموتى ..! مريم انت متخيلة احنا وين ؟
اومِؤ لها بصمت .. لاتخافين روقي إن شالله الأمور بتكون تمام ..

 رائحة الموت تنبعث من المكان بينما تكسوه هيبه رهيبة ..

بدأ الطبيب بالتهيئه
زي ماتشوفون هذي المشرحه شوفوا تفاصيل المكان على مايوصل الجثمان اللي بنشرح لكم عليه ..
علتِ الهمهمات ..

جثمان
من جدهم بيجيبون لنا ميت حقيقي ؟
ماأمزح ماأبي !

ينما وقفت في الزاوية أنصت بصمت لما يقال و تجول عيناي في المكان ..
طاولة التشريح الحديدية ،  السكاكين والمشارط والمناشير ، اممم وكأني أجد إضاءه هناك
يقطع حبل تركيزي عاملٌ يدفع عربةً مغطاة بقماش أبيض نلتف جميعًا حول طاولة التشريح رأيت التوتر في عين الطبيب بعد أن بدأ البعض بالتراجع للخلف .. 
ثم بسم الله نبدأ 

كُشِفَ الجثمان

 لوهلة سرت قشعريرة في جسدي .. مشهد مهيب حقًا
أكاد أسمع نحيب زميلتي التي تقف خلفي بوضوح بينما أرى الوجوه الممتقعه أمامي وهناك في الزاوية زميلتين يغادران المكان وسط صمت رهيب ..!

بدأ الطبيب في شرحه وأسهب بينما كنت هناك مع تأملاتي في عالمٍ آخر ..!

لوعادت له الحياه مالذي كان يود فعله ياترى ؟

يمر شريط حياتي سريعًا ..

مالذي قدمته لديني ونفسي وأمتي ؟
هل أعرف الطريق إلى الله حقًا ؟
هل دللت الطريق الصحيح أم أني في غفلة أتخبط ؟

أسئلة تموج في عقلي بحاجة إلى إجابات واضحة ..
يارب واغفر إسرافي وتقصيري يارب وارحمني برحمتك مع عبادك الصالحين..

تقطع تأملاتي ضحكة علت فجأه زاد معها الحزن في داخلي أكثر مهما اعتدنا على منظر كهذا تبقى للموت هيبته وللميت حرمته ..!

تربت زميلتي على كتفي :
-"مريم الصمت اللي عايشته مايبشر بالخير شعندج ؟

* ابتسامة باهته وتنهيده وصمت مطبق هكذا جاءها الرد ..! * 

ـ اووه افهم من كذا ان عندك كلام كثيير مو قادرة تقولينه ؟ 

جاء ردي بهدوء شديد :
-"أبي أرجع المستشفى"
أريد أن أشتمّ رائحة الحياة ياصديقتي ..!
نعم .. تضج بالآلام لكن الحياة فيها تتنفس..!

-اوه نسيتي الصباح لما قلتي احنا اخترنا الطب ولازم نشوف ؟!

- الطب اختيارٌ يشمل مواجهة الحياة والموت لكني لم اختره لأشتمّ رائحة الموت كل يوم ياصديقتي ..!
وسأغادر المكان بهدوء كما دخلته وأحمل في ذاكرتي يوم يستحق التجربة وتأملاتٍ عميقة وأسألةٌ لازالت تموج وتموج ..!

خاتمة :
يارب أغفر لموتانا وموتى المسلمين وارحمنا برحمتك إذا صرنا إلى ماصاروا إليه ...



السبت، 20 أبريل 2013

لماذا الطب ؟ #فضفضة




الرابعة فجرًا :

ليلةٌ طويلة يصحب فيها التوتر قلة النوم والأكل أتساءل مليًا لماذا اخترت لنفسي هذه الدوامة ؟
لماذا اخترت أن أكون طبيبة ؟ 
مالذي يدفعني للإستمرار في ضغط كهذا :" ؟ 
> هي أسئلة تبدو طبيعية لطلبة الطب وسط كومة الضغوطات تلك 

زفرة طويلة .. يارب اعني يارب

الثانيةَ عشرَ ظهرًا : 

أرتمي بجسدي المنهك على أقرب كرسيٍ في جناح المرضى ..
أكاد أبكي من شدة الإرهاق والتعب صدقًا مالذي دفعني لأكمل إلى هذه الساعة ؟ 
مالذي يدفعني إلى عدم التوقف أو السقوط من شدة التعب ؟
 في خضم  تلك الأسئلة  تذكرت  بأنني لم أزر طفلتي الصغيرة في وحدة الحروق اليوم ..!

عند باب الحروق الزجاجي
أجهز نفسي للدخول .. أتوشح معطفًا أصفرًا واقيا وغطاءًا للأحذية .. 
اسمع جلبة من الداخل ثم كائنٌ صغير يركض نحو الباب الزجاجي 
ويهتف بانفعال : ميمي ميمي *.*
- غرامي  حبيبتي انتِ شلونج ؟
تحتضنني بلطف وبراءةٍ شديدة ثم تصرخ بي:
ـ شوفي عندي دبدوووب جديد و حلاو وعلكة
اتجه معها الى غرفتها التي تغص بالهدايا والالعاب .. لحظات نسيت معها كل ذلك الإرهاق الذي  كاد يرديني ..
وكأن الزمن توقف في هذه اللحظة جرعات من السعادة لا استطيع وصفها !!

أتأمل في صغيرتي " مالذي فعلته ياغرام " ؟ 
مالذي فعلته بي طفلة الخمسة سنوات ؟
تبادرت في ذهني هذه التغريدة :

"@DrAlyaaAhmad: هذا الطب إدمان عجيب يعذب فيك الاحتمال حتى تقرر الرحيل ،، ثم فجأة يغريك في لحظة فتتابع الطريق .. #عليائيات "

عند هذه النقطة بدأت أتأمل ..!

فعلا عجيب مالذي يدفعني ومن حولي هنا للمضي قدمًا ؟ 
مالذي يدفعني أن أرفض توسلات جسدي الذي لم ينم إلا ساعتين ولم يدخل في جوفه إلا وجبه واحده خلال الـ ٢٤ ساعة الماضية ؟
يمر بي شريط اليوم سريعًا ..
كيف لي أن أنسى ابتسامات الامتنان من المرضى في " الراوند" الصباحي :) .. بل وكيف أنسى فتاةً احتضنت يدي بقوة شديدة بعد أن حاولت التخفيف عنها خلال العمليات الجراحية لليوم الواحد بل وأتبعتها بلطفٍ شديد :
 شكرا دكتورة شكرا لأنك طمنتيني كنت مرة خااايفة ..!
أوه والعجوز التي سألتني في طريقي :
ـ دكتورة وين الطوارئ ؟ 
ثم امطرتني بوابل دعواتها بمجرد أن دللتها الطريق 
ـ الله يوفقك الله يوفقك الله يسهل عليكي يابنتي الله يسهل عليكي ..! 
ثم السعادة في عين" غرام " الصغيرة ..
كل تفاصيل السعادة تلك في يوم واحد ..!
 بالله عليكم ألا يستحق الأمر كل تلك المقاومة ؟ 
ألا يستحق العناء ؟ 
ترفق أيها الطب ترفق بنا .. كيف لك أن تسرقنا من أنفسنا هكذا دون أن نشعر ..! 

هنا أجد إجابة لأسئلتي الليلة الماضي .. 
نعم أنا هنا في هذه الدوامة لأجل ابتسامة طفل وسعادة مريض ودعوات عجوزٍ كهلة ..أانا هنا لأن كل هذا التعب سيبدو لذيذًا جدًا بعد أن تحاول أن تعطي وتعطي وتعطي ولو باليسير  ..

يارب أصلح نوايانا ويسر أمرنا وارزقنا البركة والمثوبة والتوفيق ()~

*مخرج : 
"@mohdiriye: الطب يذهب ماء العين 
ويعلمك أن العطاء بلا حدود
مرهق .. لكن لذيذ .. ساعة نوم 
بعد يوم طويل .. لاتساوي 
لذة مريض قديم ! "

صدقَ وصدقَ وصدقْ :")